طريق الاسلام

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

Powered By Blogger

مرحبا بكل من هو إيجابى


مرحبا بكل من هو إيجابى , ومن هو يريد الخير لنفسة والآخرين ومرحبا بكل من يريد أن يتغير .

الجمعة، 11 مارس 2011

سنّة الله في رزق العباد -[قانون الرزق]


الفصل السادس عشر / سنّة الله في رزق العباد / [قانون الرزق]
359 ـ معنى الرزق : 
أ ـ جاء في لسان العرب1 الرَّزق بفتح الراء هو المصدر الحقيقي للفعل رَزَقَ . وبكسر الراء الرِّزق ما ينتفع به والجمع أرزاق 
والرِزق : العطاء . وقد يسمى المطر رزقاً وذلك قوله تعالى : (وما أنزل من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها) . والأرزاق نوعان : ظاهرة للأبدان كالأقوات ، وباطنة كالمعارف والعلوم .
ب ـ وجاء في المعجم الوسيط2 : (الرزق) بفتح الراء المصدر . وبكسر الراء اسم الشيء المرزوق وهو كل ما يُنتفع به.  والرِزق ما ينتفع به مما يؤكل ويلبس . والرزق ما يصل إلى الجوف ويُتغذى به . وفي التنزيل العزيز : (فليأتكم برزق منه) والرزق : المطر ، لأنه سبب الرزق . والرزق : العطاء ، والعطاء الجاري يقال : كم رزقك في الشهر؟ أي كم راتبك،  والجمع أرزاق .  
ج ـ وفي النهاية لابن الأثير3 : من أسماء الله تعالى ((الرزّاق)) وهو الذي خلق الأرزاق وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصلها إليهم . والأرزاق نوعان : ظاهرة للأبدان كالأقوات وباطنة للقلوب والنفوس كالمعارف والعلوم .
د ـ وفي المفردات للراغب4 : الرزق ، يقال للعطاء الجاري تارة دنيوياً كان أم أخروياً ، وللنصيب تارة ، ولما يصل إلى الجوف ويتغذى به تارة . يقال أعطى السلطان رزق الجند ، ورزقت علماً . وقوله تعالى : (وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت) أي من المال والجاه والعلم . وقوله تعالى : (وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون) أي وتجعلون نصيبكم من النعمة تحري الكذب . وفي العطاء الأخروي قوله تعالى : (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون) . والرازق يقال لخالق الرزق ومعطيه والمسبب له وهو الله تعالى . ويقال ذلك للإنسان الذي يصير سبباً في وصول الرزق . والرزاق لا يقال إلا لله تعالى . وقوله تعالى : (وجعلنا فيها معايش ومن لستم له برازقين) أي بسبب في رزقه ولا مدخل لكم فيه . ويقال ارتزق الجند : أخذوا أرزاقهم . والرزقة ما يُعطونه دفعة واحدة .
360 ـ المعنى المراد من الرزق في بحثنا :
والمعنى الذي نريده من كلمة ((الرزق)) في بحثنا كل مال ينتفع به سواء كان مادياً كالأموال من ذهب وفضة وحيوان وزروع وثمار وعقار ، ومأكول وملبوس ومشروب ومسكون ونحو ذلك . أو كان معنوياً كالمعارف والعلوم والمنزلة والجاه والسلطان والعقل والذكاء وحسن الخلق ونحو ذلك . وسواء كان ما ينتفع به في الدنيا وهو ما ذكرناه أو ينتفع به في الآخرة وهو رضوان الله تعالى وثوابه ونعيم الجنة ونحو ذلك مما أخبرنا الله تعالى به .
361 ـ الله هو الرزاق ذو القوة المتين :
الله تعالى هو خالق الرزق ومعطيه والمسبب له ، ومن أسمائه تعالى ((الرزاق)) فهو الذي خلق الأرزاق وأعطى الخلائق أرزاقها وأوصلها إليهم5 . وفي القرآن الكريم آيات كثيرة تبين أن الله تعالى هو الرزاق بالمعنى الذي ذكرناه ، فمن ذلك :
362 ـ آيات في كونه هو الرزاق :
أ ـ قال تعالى : (وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ)6 . والدابّة اسم لكل حيوان ، لأن الدابة اسم مأخوذ من الدبيب ، وأطلق على كل حيوان ذي روح ذكراً كان أو أنثى . والمراد بهذا اللفظ ((دابّة)) في هذه الآية الموضوع الأصلي اللغوي فيدخل فيه جميع الحيوانات ، وهذا متفق عليه بين المفسرين . ومعنى الآية : ما من حيوان يدب على الأرض إلا على الله تعالى غذاؤه ومعاشه ، وإن ذلك كالواجب عليه تعالى بحسب وعده تعالى بإيصال الرزق إلى كل ذي روح تفضلاً منه وإحسان . والله يعلم مستقرها ، أي مكانها في الأرض ومسكنها ويعلم مستودعها حيث كانت مودعة قبل الاستقرار من صلب أو رحم أو بيضة7 .
ب ـ وقال تعالى (وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)8 . والمعنى : وكم من دابة لا تطيق حمل رزقها لضعفها أو لا تدخره ، وإنما تصبح ولا شيء عندها ، فالله تعالى يرزقها وإياكم ، فلا يرزق تلك الدواب الضعاف إلا الله تعالى ولا يرزقكم أيضاً أيها الناس إلا الله تعالى وإن كنتم مطيقين لحمل أرزاقكم وكسبها لأنه لو لم يقدركم ولم يقدّر لكم أسباب الكسب لكنتم أعجز من الدواب التي لا تحمل رزقها . فالله تعالى رزق الكل بأسباب هو تعالى المسبب لها وحده1 .
ج ـ وقال تعالى : (إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين)2 . فالله تعالى هو الذي يرزق كل مفتقر إلى الرزق لا غيره وهو القوي القادر البليغ الاقتدار على كل شيء3 .
363 ـ فابتغوا عند الله الرزق :
وإذا كان الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين ، فعلى المسلم أن يطلب الرزق منه لا من غيره ، قال تعالى : (ند الله الرزق)4 . وعلى هذا فينبغي للمسلم أن يتوكل على ربه عز وجل في تحصيل رزقه ويدعوه أن ييسر له أسبابها ويباشرها فعلاً ويعينه عليها .
364 ـ سنّة الله في رزق عباده :
جبل سبحانه وتعالى الحيوانات على مباشرة أسباب اكتساب رزقها بالتحرك والانتقال من مكان إلى آخر وزودها بغرائز معينة وأعضاء في بدنها تعينها على تحصيل رزقها . وسنَّته تعالى في رزق عباده أنه تعالى جعل هذا الرزق يصلهم بأسباب يباشرونها باختيارهم وجعلها الله تعالى موصلة إلى اكتساب الرزق ، ويسَّر لهم هذه الأسباب ودعاهم بل وأمرهم بالسعي إلى كسب الرزق .
365 ـ السعي لكسب الرزق :
قلنا إن سنة الله في رزق عباده إيصال هذا الرزق لهم بمباشرة أسباب اكتسابه ودعاهم إلى مباشرة هذه الأسباب ومنها التنقل في أنحاء الأرض قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)5 . والمعنى : سافروا وتنقلوا حيث شئتم في أنحاء الأرض وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات ، فقد جعل الله الأرض ذلولاً غير صعبة يسهل جداً عليكم السلوك فيها (وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ) . أي انتفعوا بما أنعم الله عليكم . وقد استدل بهذه الآية على استحباب التسبب في اكتساب الرزق ، وفي الحديث النبوي الشريف : إن الله يحب العبد المؤمن المحترف6 .
366 ـ الاحتطاب ولا سؤال الناس :
وإذا كان السعي لاكتساب الرزق هو السبيل المعتاد لوصول الرزق إلى الإنسان وإن العمل وإن كان شاقاً كالاحتطاب فهو خير من أن يسأل المسلم الناس الصدقة ما دام قادراً على الكسب ، جاء في حديث البخاري عن الزبير بن العوام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها فيكف الله بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)7 . قال ابن حجر العسقلاني في شرحه لهذا الحديث : في الحديث الحث على التعفف عن المسألة والتنزه عنها ولوامتهن المرء نفسه في طلب الرزق وارتكب المشقة في ذلك8 .
367 ـ السعي لاكتساب الرزق لا ينافي التوكل :
والسعي لاكتساب الرزق ومباشرة أسبابه لا ينافي التوكل فقد أخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (لو انكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً) قال الإمام ابن كثير بعد أن ذكر هذا الحديث في تفسيره : قال الحكيم الترمذي : مرَّ عمر ابن الخطاب رضي الله عنه بقوم فقال لهم : من انتم؟ فقالوا : المتوكلون . قال أنتم المتأكلون . إنما المتوكل رجل ألقى حبه ـ أي بذره ـ في بطن الأرض وتوكل على ربه عز وجل9 . وسئل الإمام أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال : لا أعمل شيئاً ويأتيني رزقي . فقال هذا رجل جهل العلم فقد قال صلى الله عليه وسلم : (إن الله جعل رزقي تحت رمحي)1 .
368 ـ كسب المال الحلال بمنزلة الجهاد :
قال تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)2 . كان قيام الليل واجباً ثم نسخ في حق الأمة وبين تعالى علة تخفيف قيام الليل بنسخ وجوبه وإن بقي مستحباً فقال تعالى : (عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى..) الآية ، قال الإمام القرطبي : (بيّن سبحانه علّة تخفيف قيام الليل ، فإن الخلق منهم المريض وشق عليهم قيام الليل ويشق عليهم أن نفوتهم الصلاة ، والمسافر في التجارات قد لا يطيق قيام الليل ، والمجاهد كذلك ، فخفف الله عن الكل لأجل هؤلاء . وقد سوّى الله تعالى في هذه الآية بين درجة المجاهدين والمكتسبين المال الحلال للنفقة على نفسه وعياله والإحسان والأفضال ، فكان هذا دليلاً على أن كسب المال الحلال بمنزلة الجهاد لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل الله)3 . وقال الرازي : (ومن لطائف هذه الآية أنه تعالى سوّى بين المجاهدين والمسافرين للكسب الحلال)4 . وقال الزمخشري : وقد بيّن الحكمة في النسخ ـ نسخ قيام الليل ـ وهي تعذر القيام على المرضى والضاربين في الأرض للتجارة والمجاهدين في سبيل الله . وقيل سوّى الله بين المجاهدين والمسافرين لكسب الحلال)5 .
369 ـ الرزق المبارك :
ومن رزقه الله مالاً من غير طمع ولا استشراف نفس ولا سؤال من الناس ، فقد جرت سنة الله في هذا المال حصول البركة فيه ، وقد دلّ على هذه السنّة حديث البخاري عن حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة ، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه كالذي يأكل ولا يشبع . واليد العليا خير من اليد السفلى6 ، وفي الحديث تشبيه للمال والرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه بالفاكهة الخضراء المستلذة فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده بالنسبة إلى اليابس ، والحلو مرغوب فيه على انفراد بالنسبة للحامض فالإعجاب بهما إذا اجتمعا أشد . فمن أخذ المال وحصل عليه بغير شره ولا الحاح  أي من أخذه بغير سؤال بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس أي يتعرض له وحرص عليه وطمع فيه لم يبارك له فيه7 .
ومعنى بورك له فيه حصول البركة له في ماله ، والبركة ثبوت الخير الإلهي في الشيء . ولما كان الخير الإلهي يصدر من حيث لا يُحس وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر قيل لكل ما يشاهد منه زيادة غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة وإلى هذه الزيادة أشير بما روي في الحديث الشريف أنه لا ينقص مال من صدقة لا إلى النقصان المحسوس8 .
370 ـ الله يرزق المؤمن والكافر :
إن الله تعالى رب العالمين وقد وعد وأخبر بأنه ما من دابة إلا على الله رزقها . فكل ذي روح يدب على الأرض فإن الله تعالى يرزقه ويهيىء له أسباب تلقي هذا الرزق سواء كان كافراً أو مؤمناً ولهذا قال تعالى : (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً)9 ، أي نرزق الكافرين والمؤمنين وبهذا صرَّح المفسرون ، فمن أقوالهم في هذه الآية :
أ ـ قال الإمام القرطبي : قوله تعالى:(كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ)، أخبر أنه يرزق المؤمنين والكافرين10.
ب ـ وقال الزمخشري : كل واحد من الفريقين نمدهم : نزيدهم من عطائنا ، فنرزق المطيع والعاصي على وجه التفضل ، وما كان عطاء ربك وفضله محظوراً أي ممنوعاً ، لا يمنعه من عاصٍ لعصيانه1 .
ج ـ وقال الرازي : أي أنه تعالى يمد الفريقين بالأموال ويوسع عليهما في الرزق مثل الأموال والأولاد وغيرهما من أسباب العز والزينة في الدنيا لأن عطاءنا ليس بضيق عن أحد مؤمناً كان أو كافراً لأن الكل مخلوقون في دار العمل
ـ الدنيا ـ فوجب ايصال متاع الدنيا إلى الكل2 .
371 ـ التمتع بالطيبات من الرزق :
التحليل والتحريم من حق الله فلا يجوز لأحد أن يحرم شيئاً أباحه الله بحجة الزهد أو هضم النفس أو كونه من المستلذات ..  فإن المنظور إليه هو كون الشيء حلالاً أو حراماً ، فإن كان حلالاً جاز التمتع به وإن كان مستلذاً مستطاباً لأن الشرع لا يمنع تمتع النفس بالمستلذات ما دامت مباحة . وإن كان الشيء حراماً وجب الابتعاد عنه وعدم مباشرته وتناوله مهما كانت صفته . قال تعالى راداً على من حرَّم ما لم يحرمه الله تعالى من زينة أو طيبات الرزق ،فقال عز وجل : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)3 . يقول تعالى رداً على من حرَّم شيئاً من المآكل أو المشارب أو الملابس من تلقاء نفسه من غير شرع من الله تعالى : (مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ) أي هي مخلوقة لمن آمن بالله وعبده في الحياة الدنيا وإن شكرهم فيها الكفار فهي للمؤمنين خالصة يوم القيامة لا يشركهم فيها أحد من الكفار فإن الجنة محرَّمة على الكافرين4 .


372 ـ القانون في التمتع بالطيبات من الرزق :
قال الإمام ابن العربي ، والذي يضبط هذا الباب ويحفظ قانونه : على المرء أن يأكل ما وجد طيباً كان أو قفاراً ـ الخبز بلا أدم ـ ولا يتكلف الطيب ويتخذه عادة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشبع إذا وجد ويصبر إذا عدم ، ويأكل الحلوى إذا قدر عليها ويشرب العسل إذا اتفق له ويأكل اللحم إذا تيسر ولا يعتمد أصلاً ولا يجعله ديدناً5 .
373 ـ الأموال بذاتها لا تقرب صاحبها من الله :
قد يرزق الانسان مالاً كثيراً حسب سنّة الله في كسب المال ، لأن سنة الله مضت في إعطاء المال للكافر وللمؤمن وللمطيع وللعاصي فمجرد كون الإنسان غنياً بأمواله لا تجعله هذه الأموال قريباً من الله تعالى ، وإنما الذي يقربه من الله تعالى هو الإيمان والعمل الصالح ، قال تعالى : (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ)6 .
والمعنى : إن الأموال لا تقرّب من الله تعالى ولكن الذي يقرّب العبد من ربه الإيمان والعمل الصالح . وكذلك إذا رزق الله عبده أولاداً فأولاده لا يقربونه من الله بمجرد كونهم أولاده إلا إذا أطاع الله فيهم بأن علمهم الخير ووفقهم في الدين وجعلهم أعضاء صالحين في المجتمع7 .
374 ـ بسط الرزق وتضييقه وما يدلان عليه :
قد يوسع الله على عبده بالرزق وقد يضيق عليه فيه ، فيكون الأول غنياً واسع الثراء ، ويكون الثاني معدوماً فقيراً شديد الفقر والحاجة ، فهل يدل ذلك على صلاح الموسع عليه رزقه ، وعدم صلاح المضيق عليه رزقه؟ والجواب لا يدل بسط الرزق وتضييقه على صلاح الغنسان أو عدم صلاحه ، فإن حصول الغنى في الدنيا لا يدل على الاستحقاق ولا على أن صاحبه مرضي عند الله ، فإنه تعالى كثيراً ما يوسع على العصاة والكفرة ، إما لأنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وأما يحكم بذلك لمصلحة أو لحكمة ، وإما على سبيل الاستدراج والمكر . وقد يضيق الله تعالى على الصديقين لحكمة يعلمها أو بناء على سنة من سننه العامة . فينبغي للعبد أن لا يظن أن ذلك وقع وجرى للمجازاة أو بناء على منزلة العبد بالقرب أو بالبعد عن ربه تعالى8 .
وقد دلّ على ما قلناه قوله تعالى : (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلاً لَّمّاً وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً)1 . وجاء في تفسير هذه الآيات إن الله تعالى ينكر على الإنسان في اعتقاده إذا وسع الله تعالى عليه في الرزق ليختبره في ذلك فيعتقد أن ذلك من الله تعالى إكرام له ، وليس الأمر كذلك بل هو ابتلاء وامتحان . وكذلك إذا ابتلاه وامتحنه وضيق عليه في الرزق يعتقد أن ذلك من الله إهانة له ، فقال تعالى (كَلَّا) أي ليس الامر كما زعم لا في هذا ولا في هذا فإن الله تعالى يعطي المال من يحب ومن لا يحب ، ويضيق في الرزق على من يحب ومن لا يحب وإنما المراد في ذلك على طاعة الله في الحالتين : إذا كان غنياً بان يشكر الله على ذلك ، وإذا كان فقيراً بأن يصبر ، فبهذا الصبر وذاك الشكر تكون منزلة العبد وقربه من ربه2 .     
375 ـ حكمة التفاوت في الرزق :
أولاً : ليخدم بعضهم بعضاً :
قال تعالى : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)3 . والمعنى : (نحن قسمنا بينهم معيشتهم) أي أسباب معيشتهم في الحياة الدنيا قسمة تقتضيها مشيئتنا المبنية على الحكم والمصالح (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ) في الرزق وسائر مبادى المعاش وأسبابه (درجات) متفاوتة . فقد فاوتنا بينهم فيما أعطيناهم من الأموال والأرزاق والعقول والفهوم وغير ذلك من القوى الظاهرة والباطنة ، فكان منهم القوي والضعيف والعالم والجاهل ، والحاذق والأبله ، والرئيس والمرؤوس والغني والفقير . وإنما فعلنا ذلك (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً) أي ليسخر بعضهم بعضاً في الأعمال لاحتياج بعضهم إلى بعض ، وبهذا يمكن أن يتعايشوا ويحصل كل منهم على ما يحتاجه بمساعدة الآخرين ، ولولا هذا التفاوت فيما ذكرنا لما أمكن أن يقضي بعضهم حاجة بعض ولا أن يخدم بعضهم   بعضاً4 .
376 ـ ثانياً : لمنع البغي :
ومن حكمة التفاوت في الرزق منع بغي الناس في الأرض ، قال تعالى : (ولَوْبَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)5 . والمعنى لو وسع الله على عباده في الرزق لبغوا في الأرض أي لطغوا وعصوا أو لتكبروا في الأرض وفعلوا ما يتبع الكبر من الفساد والعلو فيها (وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاءُ) أي ينزل أرزاقهم بقدر ما يشاء لكفايتهم (إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) يعرف ما يؤول إليه أحوالهم فيقدر لهم ما هو أقرب إلى جمع شملهم فيرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك ، فيغني من يستحق الغنى ، ويفقر من يستحق الفقر كما توجبه حكمته تعالى . ولو أغناهم جميعاً لبغوا ، ولو أفقرهم جميعاً لهلكوا ، ولا شبهة في أن البغي مع الفقر أقل ، ومع الغنى أكثر وأغلب6
377 ـ المؤمن لا يحزن لهذا التفاوت :
والمؤمن لا يحزن لهذا التفاوت الذي اقتضته حكمة الله حتى ولو كان شديد الفقر ، لأن كل ما يؤتاه الإنسان من الدنيا فهو متاع قليل وزائل ولا يستحق أن تستشرف له نفس المؤمن ولا أن يكون مقصدها وهمها ولا أن يحزن على فوته أو فقده ، لأن مقصده الآخرة وغايته طلب مرضاة الله ، ولأنه يعلم مدى حقارة الدنيا عند الله تعالى . ومما يدل على حقارة الدنيا عند الله تعالى وإنها وكل ما فيها مما تستشرف إليه النفس ، شيء تافه وزائل ومتاع قليل ، مما يدل على ذلك أن الله تعالى بعد أن ذكر التفاوت بين خلقه في الرزق قال : (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ وَزُخْرُفاً وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)7 . والمعنى : لولا أن يعتقد كثير من الجهلة أن اعطاءنا المال دليل على محبتنا لمن أعطناه فيجتمعوا على الكفر لأجل المال (لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ) أي سلالم ودرجاً من فضة (عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ) أي يصعدون (وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً) أي أغلاقاً على أبوابهم (وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ) أي جميع ذلك يكون فضة (وَزُخْرُفاً) أي وذهباً . ثم قال تبارك وتعالى : (وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) أي إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله تعالى . فهذا الذي يعطيه لهم إنما يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا ليقدموا على الآخرة وليس لهم عند الله تعالى حسنة يجزيهم بها . ثم قال تعالى : (وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) أي هي لهم خاصة لا يشاركهم فيها أحد غيرهم1 . فالمؤمن لا يأسف على شيء من الدنيا إذا كان مضيقاً عليه في الرزق أو لا يتيسر له من متاعها ما تيسر لغيره منها ، فليكن حرص المؤمن على نعيم الآخرة ورضوان الله لا على متاع الدنيا فإن الدنيا لو كانت تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافراً شربة ماء أبداً كما جاء في حديث الترمذي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره ابن كثير في تفسيره2
378 ـ تحذير من سوء الفهم :
ولا يفهم مما قلته أني أطلب من المسلم أن يستسلم للفقر ويقعد عن الكسب ، لا ، أنا لم أقصد ذلك ، وإنما الذي قصدته أن المسلم إذا قام بما أوجبه عليه الشرع من الأخذ بالأسباب ، وسعى لتحصيل رزقه بالوسائل المشروعة ، ومع هذا بقي رزقه شحيحاً قليلاً فعليه أن يتذكر ما قلته ولا يحزن لضيق يده وقلة رزقه ، فليست الحياة الطيبة الموعود بها المؤمن تكون دائماً بنعومة العيش بل بشيء آخر أكبر من هذا العيش وقد أشرت إليه عند كلامي عن سنة الله في التقوى والإيمان والعمل الصالح .
379 ـ موقف المسلم من سنّة الله في الرزق :
قلنا إن من سنة الله في رزق عباده تفاوتهم فيه ورفع بعضهم على بعض درجات فيه ، فما هو الموقف الصحيح للمسلم من ذلك؟ والجواب يختلف باختلاف حال المسلم من جهة سعة رزقه أو ضيقه وقلته ، وهذا ما نبينه فيما يأتي بإيجاز .
380 ـ أولاً : موقف المسلم عند سعة رزقه وبسطه :
في حال بسط الرزق وتوسعته ، على المسلم أن يستحضر في نفسه جملة معاني ، ويقوم بما أوجبه الله عليه وأرشده إليه في هذه الحالة ، ومن ذلك ما يأتي :
أ ـ أن يعلم يقيناً ويستحضر هذا العلم في ذهنه أن المال الذي صار في يده هو مال الله قال تعالى : (وآتوهم من مال الله الذي آتاكم)3 . وهو من رزق الله ، قال تعالى : (وأنفقوا مما رزقكم الله)4 .
ب ـ أن يحذر طغيان المال لأن المال قد يطغي صاحبه ، قال تعالى مخاطباً بني إسرائيل : (كلو من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه فيحل عليكم غضبي ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى)5 . وطغيانهم فيما أنعم الله عليهم من رزق أن يتعدوا حدود الله في نعمة الرزق بأن يكفروها ويغلهم اللهو والتنعم عن القيام بشكرها ، وانفاقهم المال في المعاصي وعدم إخراج حقوق الفقراء من هذا المال6 .
ج ـ أن يستحضر في نفسه قصة قارون الذي رزقه الله المال الكثير فطغى وبغى به وأعجبته نفسه وادعى أنه بنفسه وبعلمه كسب المال ولا فضل لله به عليه . وكان نتيجة طغيانه كما أخبرنا الله عنه بقوله تعالى : (فخسفنا به وبداره الأرض)7 .
381 ـ ثانياً : موقف المسلم في حال تضييق الرزق عليه :
والموقف الصحيح للمسلم في هذه الحالة أي إذا كان مضيقاً عليه في الرزق يتحقق بما يأتي :
أ ـ أن يعلم المسلم يقيناً ويستحضر في نفسه ما ذكرناه من أن بسط الرزق وتضييقه لا يدلان على اكرام الله لعبده أو إهانته له وإنما هو امتحان وابتلاء للعبد ، فإذا كان مضيقاً عليه في الرزق دلّ ذلك على أن الله تعالى يريد أن يمتحنه بذلك ، والله تعالى يمتحن عباده بما يشاء ومتى يشاء ، وقد شاء الله تعالى أن يمتحنه بالفقر وقلة الرزق .
ب ـ أن يعلم أنَّ ما يلزمه من العبادة في هذه الحالة ، هو الصبر الجميل فإذا قام به كان من المتقين الصابرين الذين يؤتون أجورهم بغير حساب .
ج ـ أن لا يبتئس ويضيق صدره لضيق يده وقلة رزقه وخشونة عيشه وليتذكر دائماً معيشة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام .
د ـ أن يعلم ان متاع الدنيا قليل ولذائذها فانية لا تستحق الأسى والحزن على فواتها .
ه ـ لينظر إلى من هو أسفل منه ، أي أقل منه مالاً ونحوه ـ ولا ينظر إلى من هو فوقه أي أكثر منه مالاً ونحوه ، فقد أخرج الإمام البخاري عن أبي هريرةرضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إذا نظرأحدكم إلى من فُضِّلَ عليه في المال والخَلْق فلينظر إلى من هو أسفل منه ممن فًضِل عليه)1 .
وجاء في شرحه قوله (في المال والخلق) ، ويحتمل أن يدخل في ذلك الأولاد والمتاع وكل ما يتعلق بزينة الدنيا . وقوله (فلينظرإلى من هو أسفل منه) ، والمراد بذلك ما يتعلق بالدنيا أي إلى من أسفل منه مالاً ومتاعاً . وزاد الإمام مسلم في روايته لهذا الحديث عبارة (فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم) . وفي هذا الحديث دواء للحسد لأن الشخص إذا نظر إلى من هو فوقه لم يأمن أن يحسده ودواء ما وقع في قلبه من حسد أن ينظر إلى من هو أسفل منه ليكون ذلك داعياً إلى الشكر وإلى عدم ازدراء نعمة الله عليه التي أعطيها دون كثير ممن فضل عليهم في الرزق من غير أمرٍ أوجب تفضيله عليهم2 .
و ـ ليستحضر في قلبه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه البخاري عن ابن عمر قال : (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال : كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)3 فهذا الحديث أصل في الحث على الزهد في الدنيا والاحتقار لها والقناعة فيها بالبلغة . وقال النووي : معنى الحديث لا تركنوا إلى الدنيا ولا تتخذوها وطناً ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها بمالا يتعلق به الغريب في غير وطنه . وقال غيره : عابر السبيل هو المار على الطريق طالباً وطنه ، فالمرء في الدنيا كعبد أرسله سيده في حاجة إلى غير بلده ، فشأنه أن يبادر بفعل ما أرسل فيه ثم يعود إلى وطنه ولا يتعلق بشيء غير ما هو فيه4


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يهمناويطورنا :-